بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمدَ لله نحمده و نستعينه و نستهديه و نعوذ بالله من شرور أنفسنا و سيئات أعمالنا , من يهد الله فلا مضل له و من يضلل فلا هاد له , و أشهد أن محمد صلى الله عليه و آله و سلم عبده و رسوله … أما بعد
فقد كثر الكلام عن الحجامة في هـذه الأيـام من كل أحد , و مجملـه أن العالم يعود إليها طلباً للشفاء , و كالعادة هناك كثيرٌ من الناس يتـكلمون بما يعرفون وما لا يعرفون , فمنهم من يحث الناس عليها و منهم من ينفرهم منها , متناقلين في مجالسهم الكلام و القصص حولها بين مادح و ذام وهم لا يعلمون أنهم إنما يخوضون في وصية تلقاها المصطفى صلى الله عليه وسلم من الملائكة ليلة أسري به إلى السماء بأمر من الله سبحانه و تعالى , فقد روى ابن عباس رضي الله عنه و عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ( ما مررت ليلة أسري بي بملأ من الملائكة إلا كلهم يقول لي : عليك يا محمد بالحجامة ) . صحيح الجامع
و قد حث عليها صلى الله عليه و سلم بقوله و فعله في أحاديث كثيرة صحيحة فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( إن كان في أدويتكم – أو يكون في شئ من أدويتكم – خير ففي شرطة محجم أو شربة عسل أو لذعة بنار توافق الداء و ما أحب أن أكتوي ) و تبيانه عليه الصلاة و السلام لخيرية هذه الأدوية الثلاث على كل الأدوية , لكي يدلنا على أصول العلاج كما ذكر أهل العلم و التي يمكن لكل مجتمع أن يعتمد عليها في مكافحة أمراضه وعلله سواء البسيطة منها أو المعقدة , كما أنه عليه الصلاة والسلام لم يعن أن لا شفاء في غيرها , و لكن لكونها أنفع ما يداوي المريض به نفسه و لشمولية مفعولها العلاجي و الوقائي حثنا أن نبدأ بها في العلاج . و قد أثبتت البحوث المخبرية و السريرية مؤخراً أن أخراج العوادم السمية من أماكن تجمعها الطبيعي و الغير طبيعي في جسم الإنسان هو من الأسباب الرئيسية التي تؤدي لحفظ الصحة و ذلك إما علاجاً للأمراض أو وقاية منها , وتفسير ذلك أن تلك السموم وتكاثرها في منطقة الكاهل والأخدعين تساهم في عرقلة مرور الدم من و إلى أجزاء الجسم المختلفة و عرقلة وصوله إلى المخ أيضاً , مما يؤدي لحدوث الأضطرابات الصحية التي تظهر و لو خفيفة , وتساهم في تعريض الجسم لخطر الخثرات الدموية , كما أن الكدمات و الإلتواءات و إلتهابات المفاصل تكون سبباُ لتجمع شوائب الدم و ركودها في مكان الألم مما يتسبب في إعاقة ورود الدماء الطبيعية و الطاقة لإصلاح الخلل فيبقى الألم بدرجات متفاوتة , و الحل هو إزالة هذا العائق بالحجامة حتى تتدفق الدماء الجديدة و يصلح الله بها الخلل .
و الحجامة تؤدي إلى إعتدال نسب الهرمونات و الأنزيمات و الدهون و الأحماض و الأملاح و جميع مكونات الدم وتنقيه من الشوائب الضارة , كما أن كريات الـدم الحمراء والبيضاء تعـود بعد الحجامة إلى حجمها و عددها الطبيعي و ذلك كله يؤدي في النهاية لتنشيط الدورة الدموية و إتـزان سيـولة و نسب مكونات الدم مثل نسبة السكر و الأحماض و معدل الضغط و غيرها و هذا مثبت طبياً و مشاهد مع كثير ممن يحتجم , ألم يقل صلى الله عليه و سلم : ( أخبرني جبريل أن الحجم أنفع ما تداوى به الناس ) البخاري . و عندما سأله الفزاري رضي الله عنه : و ما الحجم ؟ أجابه صلى الله عليه و سلم : ( خير ما تداوى به الناس ) .
و نلاحظ أن أحاديثه صلى الله عليه و سلم لم تحدد مرضاً بعينه تعالجه الحجامة , ففي قوله صلى الله عليه وسلم : ( خير ما تداوى به الناس ) و قوله عليه الصلاة و السلام : ( أمثل ما تداوى به الناس ) و قوله صلوات ربي و سلامه عليه : ( إن في الحجم شفاء ) و غيرها كثير و صحيح , نلاحظ فيها أن الحجامة علاج مفتوح لأي مرض , ماعدا حديث سلمى رضي الله عنها الذي قالت فيه : أنه ما كان أحد يشتكي إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم وجعاً في رأسه إلا قال له احتجم و لا وجعاً في قدميه إلا قال له أخضبهما . و نلاحظ في هذا الحديث كلمة وجعاً (نكِرة) يعني أيُ وجع ٍكان , و هذا لعمري نلمس أثره دوماً . أي أن الحجامة علاج لإوجاع الرأس المختلفة و الحناء لإوجاع القدمين عموماً و بالذات فطريات الجلد .
كما ورد أكثر من حديث يصف الحجامة كعلاج للكدمات و إلتواء المفاصل ( وثِئ) , فقد احتجم عليه الصلاة و السلام على وركه الشريف و على قدمه الشريفة , أما باقي الأمراض فتدخل تحت الأحاديث العامة التي لم تحدد مرضاً مثل حديث قوله صلى الله عليه وسلم : ( خير ما تداويتم به الحجامة ) البخاري وقوله علي الصلاة والسلام : ( أمثل ما تداويتم به الحجامة والقسط البحري ) البخاري و قوله عليه أفضل الصلاة و أتم التسليم في حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما : ( إن كان في شئ مما تداوون به خير , ففي شرطة محجم أو شربة عسل أو لذعةٍ بنار توافق الداء ولا أحب أن أكتوي ) الحاكم و غيره .
و هذا من فضل الله على عباده , فهو سبحانه خلق الناس و لم يتركهم بل علمهم كل شئ , و من ذلك أن علمهم معالجة أنفسهم من مختلف الأمراض . و لنا أن نتساءل كيف كان الناس يتداوون و هم في صحراء و هم في البحر و هم في أي مكان وعلى مر العصور ؟ وسؤال آخر : ما الذي جعل الحجامة تستمر مع كل أمم الأرض حتى يومنا هذا ؟ أليس لأنهم وجدوا فيها غايتهم العلاجية ؟ فلو أن الناس جربوا الحجامة و لم يجدوا فيها فائدة … هل كانت ستصل إلينا بكل ما فيها من التأكيد و الثقة بأنها ناجعة لأمراضنا جُلها إن لم يكن كُلها .
و الأمر المهم الذي يجب ذكره أن الحجامة تلبي إحتياجات الرعاية الصحية في المجتمع المعاصر باستخلاصها ما زاد من العوادم السمية في أجسادنا عبر سطح الجلد , و الذي يؤدي بالتالي لإراحة أجهزة التنظيف كالكليتين و الطحال والكبد , لأن وجود تلك السموم يعتبر عبئ ثقيل عليها يضاف إلى ما تقوم به يومياً من طرد للسموم الداخلة إلى الجسم عبر الجهاز الهضمي ( ضمن الطعام و الشراب والأدوية ) وعبر الجهاز التنفسي ( ضمن الهواء ) التي كثرت في هذه الأيام , فأصبحت تظهر على شكل أمراض جلدية و روماتيزمية و غيرها .
و الذي ينبغي التنبيه إليه في هذا المقام أن الحجامة على قدر الفائدة العائدة منها , يمكن أن ينتج عنا أضرار فعلية إذا أجريت بطريقة خاطئة و مخالفة لما علمنا إياه حبيبنا و نبينا محمد صلى الله عليه وسلم , فينبغي مراعاة أن الحجامة يجب أن لا تُجرى بتقطيع الجلد أي بعمل جروح تترك ندبات دائمة , بل تعمل بطريقة التشريط السطحي للجلد فالمقصود هو إخراج ما تم تجميعه تحت سطح الجلد , و من المهم جداً الإهتمام قبل الحجامة و أثناءها و بعدها بالنظافة و التعقيم الكامل , حتى تحقق الغاية المرجوة منها بإذن الله .
هذا و أسأل الله السميع العليم الشافي المعافي أن يمتعنا و و أنتم بالصحة و العافية و أن لا يرينا و أياكم مكروه إنه سميع مجيب و صلى الله على سيدنا و قدوتنا محمد و على آله و صحبه أجمعين .
الراجي عفو ربه أبو سهل احمد بن على آل محسن
أحدث التعليقات